سؤال للشرعية الثقافية..لغزارة مايكتب هل اصطدمت قصائد الشعر بحاجز التلقي والمتابعة ؟
تحقيق/ علي صحن عبد العزيز /وكالة الكاشف نيوز/ بالمحصلة النهائية فإنه لا يختلف أثنان على أن أتساع الهوة بين ما يكتبه الشعراء والشاعرات وبين القارىء أو المتلقي أصبحت على المحك بسبب غزارة تلك القصائد، وبأنك حينما تتصفح أغلب الصفحات الثقافية والمجلات ومواقع التواصل الأجتماعي تجدها وفيرة حد التخمة بها ما عدا نخبوية البعض منهم ، وبالتالي أرخت بظلالها على المتلقي النخبوي والمنهكة متابعاته بالخسارات والهزائم والتراجعات التي يلمسها عن قرب نتيجة فقدان الطبيعية الإيقاعية واللّغوية والرؤيوية لأغلب ما يكتب أستناداً إلى أسلوب ترسيخ مشروع الحداثة، سواءً على مستوى التحديث الشكلي للنصوص، أو في التعبير عن معاناتهم الإنسانية المشتركة. (وكالة الكاشف نيوز الدولية) أستطلعت آراء نخبة من الشعراء والشاعرات عراقيًا وعربيًا وطرحت عليهم هذا التساؤل : هل تعالت القصيدة الشعرية على المتلقّي وأفتراض جهله ، أم ترى أن المتلقي قد شخص ما مكتوب على أنه تداخل بين الوظيفة الجمالية والوظيفة الأجتماعية بحيث أُسندت إلى القصيدة مهمّة التغيير والبناء خارج إهتمام المتلقي والمتابع تحت مفهوم مشروع الحداثة ، سواء على مستوى التحديث الشكلي للنصوص بما فيها الأشتغال على لغة شعرية مخالفة للأنساق التركيبية والأسلوبية المعروفة أو في التعبير عن المعاناة الإنسانية المشتركة ، وكانت هذه الآراء الواردة. سبر أغوار القصيدة د. سعد ياسين يوسف/ شاعر وأديب: أرى أنً القصيدة الحديثة غير متعالية على المتلقي بل تسعى ومن خلال أشتغالات الشعراء الحقيقين إلى الأرتقاء بذائقة المتلقي لكي تضيف له ما يوسع مداركه ويمنحه حرية الإبحار في عوالم التأويل وصولاً إلى ما يدهشه ، ومن المهم جدًا أن يسعى الشاعر إلى ترك مفاتيح مواربة في ثنايا النص ليتمكن المتلقي بعد التقاطها من سبر أغوار القصيدة والتمتع بمفاتن صورها الجميلة ، وهنا لاّبد من التأكيد على عدم وجود هوة بين القصيدة الحديثة والجمهور، أما الغزارة في الكتابة فهي عامل صحة لأنه سيفرز فيما بعد الكثير من القصائد المتألقة والتي ستبقى في ذاكرة الأجيال ودراسات وبحوث النقاد أما من يسعى إلى سهولة التلقي والمعنى المباشر فله أن يسعى إلى إشباع ذائقته بأشكال أخرى من الكتابة الشعرية التي تتسم بالتقريرية والمباشرة فالمجال واسع ومفتوح للجميع . واقعة الكتابة د. علي لعيبي/ رئيس مجلس وتحرير مجلة الآداب والفنون: القصيدة الحقيقية الموجه للناس لا تتعالى فوق المجتمع لأن كل ما يكتب له ، حيث الواقع الأجتماعي بتصنيفاته والسياسي بأيدلوجياته المختلفة أو الوجه الجمالي غايتهم الأساسية هو البشر ومتطلباته وأحتياجاتهمن خلال التعبير الصادق وهو ما نعرج على مقولة لا يوجد شاعر عظيم ، بل هنالك قصيدة عظيمة تفرض جمالياتها على المتلقين ، سواء العمود أو التفعيلة أو النثر ، فالجميع يصب في خدمة الحياة العامة للبشر. النصُّ الشعريّ وعملية التلقي سعدي عبد الكريم/ناقد : أن الفهم القار في العقل النقدي والذائقة الجمعية، هو العملية التشاركية الفاعلة والجادّة بين (النصّ الشعريّ وعملية التلقي) فقد أكدت نظرية التلقي على أهمية (المتلقي) كطرف موضوعي خلاق تقع على عاتقه مهمة الفحص والنقد والتأويل بأعتباره الجزء الأهم في ثلاثية التلقي (الرسالة والمرسلة والمتلقي) بوصفها المعادلة التي تؤمن فعل التواصل الأدبي، وقد منحت نظرية التلقي الحصة المائزة للمتلقي بوصفه الأنموذج الذي بأستطاعته الأشتغال على تفعيل العملية الإبداعية بينه، وبين النصّ الشعري بأعتباره جنس مهم من الأجناس الأدبية التي تهتم بالأنساق الداخلية، وتعتمد على اللغة كأداة بنائية وتوصيلة، وعلى الصورة بوصفها المعبّر التكويني، وعلى الفعل الحسي والوجداني كمتنفس للتعبير عن لواعج الذات والجمع ، وعلى ضوء التطورات في عوالم التواصل الأجتماعي طفحت على السطح موجات شعريّة طارئة أقتحمت الذائقة الجمالية لتفسدها، وتفسد معها عملية التلقي، فقد أصبح الشعر (عمل من لا عمل له) ، أن الشعر عملية إبداعية ملهمة متفاعلة مع الجسد المجتمعي وفاعلة فيه قديمًا، وعبر تأثرها بحركة الحداثة حاضرًا ونحن نرى بأن الشعر أبتعد عن فعله اللغوي وأشتغالاته البنائية والصورية وسط هذه الفوضى على حساب الحداثة التي أختلقها بعض المهمشين والمحسوبين على الأدب، وهم لا يفقهون، ما معنى الشعر ! لنا أن نتصوَّر أن (الجواهري الكبير) لم يكتب يومًا قبل أسمه الشاعر، ونرى اليوم من يصدر صفته شاعرًا قبل أسمه ، أنها مهزلة العصر أيها السادة. المتلقي تحت الجمود أحمد بياض/ شاعر/ المغرب : الإشكالية القائمة ليست عند المتلقي فقط بل عند الناقد والكثير منهم يواصل الجمود خارج الأفرازات الحضارية وخارج تقييم فعلي للحاضر والآتي بمخيلة خصبة ، أما بالنسبة للقصيدة فإنها أصبحت القصيدة مفتوحة سلسة ، وأن رافقها الغموض وكذلك نكسة المعنى في غربة وجود خارج التفاعل الفعلي مع نغمة الإحساس ، وأظن أن لذة المتلقي تكمن في الإحساس بما يحمله النص من مشاعر وأن لم يتمكن من فك شفرات القصيدة وهذه معاناة الشاعر لأن الإدراك الفعلي كمكتسب وجودي في الحروف والألفاظ هناك تيه في أنعزال تام ولكن يسقي اللغة بالرموز والصور وغيرها للأستجابة إلى سيل الحروف، فكلما كان عميق المعرفة كلما بدت أنسلاخات فعلية تهّز أركان النص لهذا يجب أولًا تقاربًا بين الشاعر والناقد أولًا مما يتيح للمتلقي نشوة الأنتشاء والمطلوب أيضًا أن يكون للناقد معرفة شاملة ، قد يبقى المتلقي رهينًا تحت الجمود خلف الأسوار مما يعطي أنطباعات سلبية وهذا أختلال في مواكبة التجديد والوقوف أمام الحاضر للتصدي حتى هيمنة الواقع الآن لها نوافذ أخرى للتعبير خارج الإسقاط المباشر المعتاد ولكن علينا أن نكتب والكتابة تحمل مشاعرنا عروبننا تأملًا أمامنا وأنطباعاتنا الفكرية تجربتنا معرفتنا ما تصبو إليه وكيف نرى وجودنا في هذا العالم. فقدان سحر الشعر كمال عبد الرحمن/ ناقد وشاعر : قصيدة النثر شكل شعري فرض نفسه عن طريق الخطأ أو عن طريق الصواب لم يعد هذا الأمر مهمًا ، المهم أنه شكل شعري أو حدث نثري وهو أمر واقع ومفروض كما يقول محمد العباس ، وهو ليس بديلًا لأي شكل شعري آخر كالعمودي أو التفعيلة أو الهايكو أو قصيدة الكتلة ، أما الشعر بصورة عامة فلم يعد يملك ذلك السحر والبريق الذي يمتلك فيه قلوب عشاقه ، كل شيء في هذه الحياة صار ثقيلًا مملًا والشعر كذلك ، والشعراء أنفسهم كما يقول صديقي الشاعر أحمد بحيت أكثر من90% يطاردون رغيف الخبز أكثر مما يقرأون ويجتهدون ويبدعون. أطباق الشعر خالد الباشق/ شاعر : تقول العرب أختلط الحابل بالنابل حين يصبح الأمر مبهم المعالم ، واليوم نعيش هذا الأختلاط على المستوى الشعر العرب بعد أن أصبح الادّعاء سهلا والرقابة غائبة ، فبامكان أي شخص في أي مكان أن يمنح نفسه لقب شاعر ولو كان ما يقدّمه شعرًا حقيقًا فلا مانع هناك ، ولكن أصبحت الأطباق المقدّمة على طاولة الشعر مقززةً بنسبة عالية جدًا من الموجود حاليًا بالأضافة إلى عدم أحترام اللغة والنحو وغيرها ، كل هذا يتم تحت قبة العالم الأفتراضي الإلكتروني وأخذ يتعدّى على العالم الورقي بسبب غياب مقص الرقيب الذي كان يمنع طباعة الدواوين الشعرية إلا بعد تدقيق وتمحيص ، أما الآن فحدّث ولا حرج هات ما عندك مهما كان ، فالمطابع متوفرة وتتنافس لأستقطاب الزبائن ، ولكن تبقى الذائقة النقيّة للمتلقي والقارئ الحقيقي هي الحكم النهائي. مدارس الشعر المتعددة هشام شوقي أمين/ شاعر وناقد أدبي/مصر : لاشك أن تيار الحداثة قفز بالشعر والنقد في مستوى أعلى من ثقافة الجماهير، وأصبح شعر الحداثة ونقده محل إهتمام صفوة الكتاب والمثقفين لا محط أنظار المتلقى غير المتخصص، والسبب في ذلك أنحراف الرومانسية الحديثة والرمزية والسوريالية عن أهتمامات وقضايا الناس فيما تعد المدرسة الكلاسيكية الحديثة في الشعر والنقد هي نبض المجتمع والمعبر الحقيقي عن قضاياه ، لذا الكلاسيكة مذهب الفن للمجتمع وتيارات الغموض والإبهام والحداثة مذهب الفن للفن. فكرة النص والتفاعل الحميمي منور ملا حسون/ أديبة وصحفية: نظراً للتباين الفكري توسَّع الخلاف بين المتلقّي وما هو مكتوب من قصائد ما أسفر عن اتِّساع الهوّة بين الشاعر ومجتمعه ، لأن أهم شيء في عملية الأدب هي تلك المشاركة الفعالة بين النص والقارئ المتلقي بأعتباره هو المرسل إليه والمستقبل للنص ، والعمل الأدبي يكتمل من خلال التفاعل الحميمي والوجداني بين الذات ومضمون التحديث الشكلي والفكري للنصوص ونلاحظ أيضًا أن قصيدة النثر قد أصطدم بحاجز التلقّي بغياب الفهم الحقيقي لفكرة القصيدة. كلمات عبثية مازن جميل المناف/ شاعر : لنعيد صيغة السؤال ونستبدله هل فشل الشعراء في إعطاء، صورة جديدة للإنسان في اللحظة الراهنة ، ما أعجزنا أمام أصحاب الكلمات حين يمرون مّر العميان على أشلاء أجسادنا الممزقة والدم يقطر من الجراح المفتوحة وما زالت مشارط العبث في يد خفية ترسم فوق الجسد خطوطًا غير موازية، نحن في عجز أمام جهل الشاعر بالواقع وما يدور ويحدث حين يمر مر الصم على صرخات الألم وحشرجات مخيفة من حلق ملهوف متعثر الأنفاس ، ما أضخم الكلمات وما أجوفها وما أكثر ما عند أصحاب الكلمات زيف وعبث، الشعر كلما كان شعرًا واقعيًا صادقًا فهو الحياة ، لو سألنا إنفسنا ما هو أبسط شكل في زخرفة النص؟ ستكون إجابتنا بلا شك أنه إنحناء لخط الوجع بواقع لتلك الصرخة المتفجرة الثائرة من معارك الغربة في الوطن. ضياع ثقة المتلقي اسيا حملاوي/ شاعرة/الجزائر : بين القصائد والمتلقي حواجز عديدة نذكر منها كمها الهائل الذي وضع بين أيدي المتلقين مما جعل القارىء يعكف على أجودها فقط فرداءة النصوص غلبت الجودة ، وبالتالي كانت صدمة القارىء المتلقي كبيرة مما جعله يعزف عنها ، وهنالك أيضًا فشل الأستخدام الصحيح للأساليب الحداثية في نظم القصيدة ضيّع ثقة المتلقي بها ، فأختلط الحابل بالنابل وفقد بعض جماليته لكن لا ننكر أنه هنالك بعض الأقلام جميلة جدًا لطفت من هول ما وصلنا إليه. أتساع الفجوة حسين عجيل الساعدي/ ناقد وباحث: قضية العلاقة بين الشاعر والمتلقي كانت وما تزال تثير الكثير من الأسئلة بوصفها قضية إشكالية وشائكة ومعقدة، وقد زادت الفجوة بينهما في ظل التحديث الشعري وأتجاهاته ومدارسه الحديثة، وأنشغال النص الشعري بالدلالات الشعرية والبنية والشكل والرمزية التي تتسم بغموض معناه، والخروج على أوزانه، وتحولات البنية الشكلية له، فأصبح نصًا إشكاليًا أحدث قطيعة ومأزق حقيقي بين الشاعر والمتلقّي. تأثير الثقافة حسين السياب/ شاعر : للإجابة عن هكذا سؤال "مهم جدا"، نحتاج إلى إلقاء نظرة عميقة وتحليل كل ما يحدث من فوضى ثقافية نتيجة للثورة الإعلامية الكبيرة التي ضربت العالم، والثقافة من المؤكد تأثرها بشكل إيجابي وسلبي بنفس الوقت ايجابي ساعد هذا الفضاء المتاح بوصول المنتج الفكري (الشعر) بسهولة للجمهور المتلقي، وتأثرت الثقافة سلبًا بكثرة ما طرح من نتاج رديء بحجة أن الساحة متاحة للجميع، ورغم جودة القلة من الشعراء إلّا أن الساحة الشعرية امتلأت بالقصائد التي لا تستحق أن تكون شعرًا، مما أثر حتى على الشعر الحقيقي ، أمّا ما يقال عن تغير تركيبة الشعر أو القصيدة فذلك يحدث بعد مخاض طويل مرت به القصيدة الشعرية سواء كانت عمودية كلاسيكية أو قصيدة شعر حر أو قصيدة النثر الحديثة والتي غيرت وكسرت الكثير من قوانين الكتابة وسيكون لها مستقبلًا كبيرًا في قادم السنين.
2025-04-27 10:52 AM1421