شهر مؤلم
بقلم /// وهب عبد الباقي العجيلي / فقدان الأم والأب في نفس الشهر ليس مجرد فقدانٍ عابر، بل هو خنجرٌ مسموم غُرس في القلب، جرحٌ لا يلتئم مهما مرّ الزمن. كيف للروح أن تتقبل غياب من كانوا لها الوطن؟ كيف يستمر نبض القلب وهم من كانوا سببه؟ عندما ترحل الأم، يرحل الحنان الذي لا يُعوض. كانت صوتًا يهدئ ارتجاف الخوف، ويدًا تمسح وجع الأيام. غيابها يترك القلب كبيتٍ مهجور، تتراكم فيه الأوجاع وتتهاوى أركانه. نشتاق لصوتها الذي كان يملأ زوايا البيت بالدفء، لصورتها التي لا تفارق أذهاننا. كم من مرة نحاول أن نستحضر ملامحها، لكن الحزن يطمس الرؤية. وحين يختطف الموت الأب في ذات الشهر، يصبح الفقد مضاعفًا، وكأن الأرض ضاقت والسماء أغلقت أبوابها. الأب هو الحصن، السند الذي كنا نتكئ عليه، اليد التي تمتد في العثرات. غيابه كسرٌ لا يُجبر، ووجعٌ يلتف حول القلب كالأفعى. كيف لنا أن نتلمس خطواتنا في هذه الحياة الموحشة دون صوت نصيحته؟ وكيف نستند على أكتافنا الهشة بعدما فقدنا من كانوا لنا أعمدةً لا تهتز؟ تمر الأيام بطيئة، ثقيلة، كأنها تسحبنا نحو قاع الحزن. كل زاوية في البيت تصرخ بغيابهم. مقاعدهم الفارغة، رائحتهم التي لا تزال عالقة في الهواء، صورهم التي تنظر إلينا بابتسامة موجعة. في كل لحظة نشعر وكأننا ننتظرهم، ننتظر أن تفتح تلك الأبواب من جديد، لكن الحقيقة تدهس قلوبنا دون رحمة. الحزن فينا لا يهدأ، يزورنا كل ليلة، يختبئ خلف الذكريات، يبعثر أنفاسنا. نحمل وجعهم في أعيننا، في ضحكاتنا المكسورة، وفي دموعٍ تنهمر بصمتٍ مخنوق. لم يعد الليل كما كان، أصبح باردًا موحشًا، يردد صدى غيابهم. ونبقى نحن، نحمل وجعًا لا يراه أحد، ونتظاهر بالقوة أمام العالم. كم نشتاق لصوتهم، لكلمة واحدة تُطفئ نار الشوق، لعناقٍ يرمم هذا الشتات. لكننا نعلم أن الموت لا يعيد من أخذ، وأن الأيام لن تعيد من سكنوا التراب. فما لنا سوى الدعاء، نرفع أكفنا إلى السماء، نرجو الله أن يرحم أرواحهم، ويجمعنا بهم في دارٍ لا فراق فيها. رحم الله من كانوا لنا حياةً وأمانًا، وجعل مثواهم في أعالي الجنان. اللهم اربط على قلوبنا، امنحنا القوة لنمضي في هذه الحياة المكسورة بذكراهم. فمهما غابوا عن عيوننا، لن يغيبوا عن أرواحنا أبدًا.
2025-04-06 07:30 PM507